Menu

في ظلّ سطوة الجاكسونية كيف سيحرّر بايدن نفسه!!

عندما تستعرض التاريخ السياسي للولايات المتحدة تبرز مصطلحات عدّة بعضها خاص مرتبط بالسياسية الخاصة للإمبراطورية التي تسيطر على معظم أصقاع الأرض إما عسكريا أو سياسيا أو ثقافيا ، وبعضها عام يجمعها مع غيرها من دول ” النخبة” أو ” المعسكر الشمالي”أو دول ” العولمة” وتحرير التجارة والتي ناهضت المعسكر الآخر ،وفرضت مفرداتها حتى أصبحت رائدة القيم والفضائل وحقوق الإنسان والحرّيّات!! في ال20 من كانون الثاني المقبل يستلم الرئيس الجديد جو بايدن مقاليد السلطة ويدخل البيت الأبيض وظِلّ الرئيس ترامب ما زال يسكنه ، فما أرساه ترامب بنموذجه الذي طبع الحياة العامة الأميركية بطابعه الخاص سيبقى طويلا وهو الذي نال تاييد نسبة غير مسبوقة من الأصوات الشعبية كمرشح خاسر لا يمكن أن يستهان بها .ومن يصوّر أنّ الطريق أمام بايدن ستكون مفروشة بالإزرهار والرياحين سيكون مخطئا . فهل سيبدا بايدن من جديد أم سيبقي القديم على قدمه بمقاربة جديدة؟!! كل العواصم في العالم مشغولة بقراءة نوايا الرئيس الأميركي المقبل ، ماذا يريد الرئيس الأميركي؟ لكي نفهم بايدن ماذا يريد علينا أن نعرف ترامب ماذا فعل ، فالتّوجهات الأساسية التي تحكم السياسة الأميركية عنوانها ماذا تريد أميركا من العالم الخارجي؟ ” والتر راسيل ميد” كتب كتابا مميزا في 2001 واسمه( سبيشيل بروفيدنس) اي الخصوصية الخاصة والذي لاقى رواجا وانتشارا وخلاصة ما وصل إليه ” ميد” أن السياسات الخارجية الأميركية يمكن تلخيصها في اربع كلمات : أولا :مدرسة هاميلتون هاميلتون هو الرئيس الأميركي الذي كان يرى أن الولايات المتحدة يجب أن تكون بريطانيا العظمى في عز ازدهارها أي امبراطورية مترامية الأطراف ،ولكي تؤمن هذه المصالح كانت تحظى البلاد التي لا تغيب عنها الشمس بأسطول بحري قوي وبقوة عسكرية نافذة، وكان يرى هاملتون أيضا أن الحكومة الفيدرالية يجب أن تعمل مع الشركات الكبرى وأن تساهم في بناء نظام اقتصادي رائد تعمل فيه هذه الشركات بسلاسة كبيرة. ثانيا: مدرسة ويلسون: الرئيس ويلسون كان يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى سبّاقة لنشر قيم اساسية كالديمقراطية وحقوق الانسان ونظام السوق والرأسمالية ، لذلك يجب تقوية التحالفات مع العالم الخارجي ومع دول تعتنق نفس التوجهات . المدرسة الثالثة: مدرسة الرئيس جيفرسون والذي يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تحترم خصوصية الشعوب الأخرى ولا تتدخل في مغامرات خارج الديار الأميركية فالأولوية للديمقراطية داخل البلاد . المدرسة الرابعة : مدرسة اندرو جاكسون والذي يرفض أفكار هاميلتون وويلسون ويتفق نسبيا مع جيفرسون وهو يريد الإنعزال لأن الولايات المتحدة يجب أن تكون غير معنية بالعالم الخارجي فهدفنا كما يقول رفاهية المواطن الأميركي ولا مانع من إقامة علاقات تجارية إن كان لها نفع للمواطن الأميركي، وله موقف سلبي من الأقليات وموقف غير ودود من الأديان الأخرى . أفكار هاميلتون وويلسون هي الأفكار التي تصدّرت المشهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي . أما أفكار جيفرسون فاقتصرت على ” المثاليين”الرافضين للتّدخّل في الحروب، وبالنسبة لأفكار جاكسون فقد اندثرت من قاموس الساسة الأميركية إلى أن عادت عام 2016 مع وصول ترامب إلى الحكم والذي ربما لم يكن يعرفه ولكن لديه ميل طبيعي نحو هذه الأفكار ،ومن دعاه إلى عكس أفكار جاكسون مستشار السابق”بانون” الذي كان مطلعا ومعجبا بكتاب “ميد” الذي اشرنا إليه في البداية .بعد اطّلاع ترامب على الكتاب قرّر إحياء سياسة جاكسون وللتذكير فقط فإن جاكسون كان الرئيس الأميركي السابع والذي كان مناصرا للعبودية ويجاهر علنا بقهرهم . عندما وصل ترامب أحيا الكثير من أفكار جاكسون ولا شك أن الفئة المنتشرة في المجتمع الأميركي والتي تؤيد افكار جاكسون لم تكن تجد من يشحذ هممها إلى أن أتى ترامب وعبّر عن هذه الفئة بشكل صارخ وتبنى أفكار جاكسون حتى أصبح اندرو جاكسون الثاني ، فاندرو جاكسون كان يعتبر نفسه من خارج المؤسسة من ” العامة”(كان جنرالا في الجيش الأميركي) تحديدا وليس من” النخبة” فهو الرئيس الذي يمثل الشعب الأميركي وليس النخب ونعني بالنخب ما يطلق عليه الآن ” الدولة العميقة” وكان يسميها جاكسون حينذاك “البيروقراطية” التي تعبر عن استفادة كبار الموظفين من مواقعهم. جو بايدن حازم على العودة الى أفكار ويلسون أي أن أميركا يجب أن تكون جزءا من تحالف كبير تقوده ،ولكن المأزق بالنسبة لبايدن أنه حين يدخل البيت الأبيض سيجد نفسه أمام تغير كبير ، فما يريد أن يطبقه يتعارض مع أفكار جاكسون الاول والثاني ( أي ترامب) والمشكلة ايضا أن هذه التوجهات يدعمها اكثر من 74 مليون ناخب( عدد الذين صوتوا لترامب) رغم الفضائح المالية والجنسية ورغم الإعلام الذي يقف بمجمله ضده ورغم سطوة الوباء.فبايدن لا يستطيع تجاهل نسبة التاييد الجامحة لترامب وهو في مأزق كبير بين عكس أفكاره وتطبيقها وبين عدم إغضاب الملايين. ما سنراه بعد ال20 من كانون الثاني يبدو ضبابيا! وكيفية رسم تلك اللوحة التي تريد المحافظة على الحضور الاميركي البارز في كل الملفات بريشة أوبامية منقّحة وما بين العودة الى معظم الاتفاقات مع تعديلات جوهرية. فماذا يمكن ان يفعل بايدن إزاء كل هذه التناقضات؟

سامر كركي كاتب ومتابع للشؤون الدولية والاستراتيجية

فيديو اليوم