يربط بين روسيا والصين عدا عن حرف العطف “الواو”، حرف الياء الذي يمضي بنا إلى ما يجمع البلدين من قواسم مشتركة تظهر لكل من يتابع الشؤون والشجون السيّاسيّة الدولية، فتطفو على السطح البرودة التي تميّز الدولتيْن . فالبرودة “المتّزنة” وهو ما يميّز الروس والبرودة “الحكيمة ” التي صُبغ بها الصينيون وخاصة في العقدين الأخيريْن جعلتهم رقما صعبا مرشحا لإزاحة العملاق الأميركي أو على الأقل المضي بثنائيّة قطبية في قادم السنوات . ما بين شخصية بوتين الكاريزماتية اللافتة وما بين سلطة مركزيّة صينيّة حادّة تجاوزت معظم العراقيل ، وأحدثت نقلات نوعيّة برّاقة، يشهد لها القاصي والداني على المستويات الإقتصاديّة والتّكنولوجية، وحضورٍ سياسي طاغ وطفرة عسكرية تقنيّة مهيبة، يقف العالم حابسا أنفاسه ليصيغ التنين الصيني والدّب الروسي المشهد أقلّه حتى عام 2030. علاقة الصين بروسيا علاقة محيّرة للعالم ، هل هما عدوّان أو خصمان على الأقل يجمعهما تهديد مشترك؟أم أنهما يطوران شراكة قد ترقى سرا إلى مستوى التحالف ؟ الذي يتحدّث عن تناقضات هائلة بين الصين وروسيا يتكلم عن حقبة لم تعد قائمة في التاريخ ، إذ كان هناك رؤى شيوعية مختلفة ، فماو تسي تونغ(الرئيس المؤسس) كان يرى أن هناك تجربة خاصة بالصين ولا نفع لأخذ التجربة اللينينية –الماركسية والتي شقّت طريقها في روسيا آنذاك.روسيا ليست الإتحاد السوفياتي ، والصين ليست الصين بعد التأسيس ، فقد كان هناك خلافات على الحدود بين الدولتين تمت تسويتها بالإضافة إلى العديد من القضايا الخلافية والتي أسست لشراكة استراتيجية ومتنامية أساسها المصالح وليس التقارب الشخصي أو الأيديولوجي. إن البعد الإستراتيجي يجمع الدولتين فمصلحتهما تغيير النظام الدولي إلى متعدد الأقطاب ، وهم يقولانها منذ 25 سنة على الأقل ليس فقط بالمعنى السياسي بل بالمعنى الإقتصادي لوضع حدّ لهيمنة الدولار والمؤسسات الدولية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ) وطغيان نظام ” سويفت” الذي تسمح فيه الولايات المتحدة بالتحويل أو تقيّد ذلك . أما النقطة الثانية فهي التكامل الهيكلي بين الإقتصادين الصيني والروسي ، فروسيا مصدر كبير للطاقة والصين متعطشة بشكل كبير للطاقة، فلكل دولة مشروعها ،فالروس مستمرون بمشروع “الإتحاد الأوراسي” والصينيون ب ” الحزام والطريق ” وهما مربوطان بمجموعة “بريكس ” الذي تقوده الدولتان، وعلى الحدود أيضا هناك بنية يتم تطويرها لخدمة هذين المشروعين الآنفي الذكر. كما زاد حجم التبادل التجاري بينهما ، وآخر تقدير له بلغ 107 مليار دولار وهو مرشح ليصل إلى 200 مليار دولار ، كما كانت الصين أول من حصل على ال” أس 400 ” سنة 2014 و”سو 35″ وغيرها من المنظومات النوعية. كما تم بينهما مناورات عدة مهمة كمناورات 2018 والتي شاركت فيها بالإضافة إليهما كل من الهند وباكستان ، وكانت هذه نقلة استراتيجية بل حراك استراتيجي لم يتوقف عنده الكثيرون. لاشك أن هذا الحراك أقلق الغرب وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا ولنتوقف هنا عند تصريح ماكرون عام 2018 أمام جيرانه الأوروبيين حيث قال ” لا يجب أن نترك روسيا للصين” فالصين عملاق اقتصادي كبيرة وذو قدرة عسكرية متنامية وروسيا عملاق عسكري وقدرات اقتصادية معقولة ولذلك إذا اجتمعا سيختل التوازن حسب الرئيس الفرنسي ماكرون. وكان بارزا ما قاله ستولتنبرغ (الأمين العام للناتو)بإسم الناتو طبعا حيث شدّد أنهم يعتبرون روسيا التهديد الأول وهذا برأيي أيضا ما يجعل الشراكة بين الصين وروسيا كعلاقة لا تنفصم عراها . إن العلاقة بين روسيا والصين قد ارتقت إلى مستوى التحالف ، لكن الدولتين يتجنبان هذا اللفظ كي لا يثيروا حفيظة الغرب ،فما الذي تعنيه كلمة التحالف أكثر من ترابط عضوي في مجال الطاقة وترابط عسكري ومناورات مشتركة في عدة أماكن وأبرزها في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي. ولكن هل ستستطيع الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن تقف حجز عثرة أمام عمق الفكر الروسي البوتيني وأمام رسوخ العقل والحكمة الصينية . وكيف السبيل إلى كبج الجماح ؟ ألا إن الغد لناظره قريب…… سامركركي كاتب ومتابع للشؤون الدولية والإستراتيجية