يبقى هذا البلد الذي لم يرق لمستوى “وطن” والذي يتربع دول شرقي المتوسط بإطلالته الساحرة وبطبيعته الخلابة “مالىء الدنيا وشاغل الناس” .هذا ال”لبنان” الذي بقي مزارع تغذيها الصراعات الطائفية والمذهبية وأصوات العديد من السياسيين التي استمرت بالنعيق، متغنية بمعزوفة الوحدة والتعايش والمصالحة والوفاق ولكنها من حيث تدري أو لا تدري مع تأكيد “المصطلح الأول” ، تأخذ البلد إلى انهيار كامل لن يبقي ولن يذر. سؤال يطرح نفسه ، كيف لشعب مسحوق أن يراهن على تغييرات بنيوية وجذرية ما لم يتم تغيير النهج الإقتصادي المتّبع ؟ هذا النهج الذي كان كارئيا منذ ثلاثة عقود ، وقد دفعنا ثمنه منذ 17 من تشرين الأول 2019 وقد تأخر الموعد كثيرا بعد أن كنا ننام على حرير تثبيت سعر الصرف الوهمي، آخذين في تمجيد الإعتماد والبناء على قطاع خدماتي-ريعي غير آبهين بقطاعات إنتاجية ( زراعة وصناعة) أو على الأقل تخفيف فاتورة الإستيراد بتأمين مواد أولية لها لا تصل إلى نصف ثمن ما يستورده هذا البلد. إن عقلية اللبناني ترفض الإذعان والإعتراف بأن المنهجية القائمة لم تعد صالحة(منهجية الترف المادي والحضور القائم على الظواهر الإجتماعية الزائفة” التي لا تسمن ولا تغني من جوع. يجب على ” لبناننا” الذي نتغنى به طبيعة وحضارة وفكرا وثقافة وتاريخا وريادة أن يعيد صياغة ألف-باء الإنغماس في ما بعد 17 تشرين الأول 2019 وذلك بخطوات سريعة تأخرت كثيرا علّنا نخرج من بوتقة الظلام أو لا نسحق إلى الدرك الأسفل أقلّه. أولا: الإيمان بنهج إقتصادي مختلف يقوم على تعزيز القطاعات الإنتاجية لرفد البلد بخطة متوسطة الأمد لمواجهة ظروف كالظروف الإستثنائية التي نمر بها ،وعلى المستوى القريب اعتماد آلية مختلفة لمقاربة الدعم والتخلي عن سياسة ” البطاقة التمويلية” التي ستؤدي حتما إن أقرت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة ناهيك عن التضخم وسحق القدرة الشرائية للمواطنين . ثانيا: تعزيز أدوات الرقابة بسن قوانين تلجم تجار الهيكل والمحتكرين وأفذاذ الأزمات وعدم الإكتفاء بتوصيف المشكلة والإشارة إليها عرضيا ، وسحق الكارتيلات المتحكمة برقاب اللبنانيين والتي لا تفوت فرصة نهش رقابنا والتلذذ بآلامنا. ثالثا: الترفع عن وضع” خطوط حمراء” تحمي كيانات طائفية –مذهبية بغيضة بعد كلام الأكثرية المعسول شكلا عن دولة مدنية تقارع المحاصصة والطائفية السياسية. رابعا: تنقية مفهوم المواطنة من كل الشوائب البغيضة معنى ومبنى للنهوض بوطن بات يؤمن أكثر مواطنيه بالهجرة إذا لم تسنح الفرصة الأخيرة!! خامسا: إعادة التواصل مع سوريا والتنسيق على كل المستويات الإقتصادية والأمنية وحتى السياسية ، إذ لا يعقل أن يتم التواصل بينها وبين جميع العرب ونبقى متجاهلين خصوصية الجغرافيا والتاريخ والحدود والمصالح المشتركة. سادسا:نسج علاقات سوية مع المحيط العربي والإستفادة من التقارب الإقليمي وإسقاطه على الحالة اللبنانية . إن هذا البلد الذي يزخر بالطاقات والمواهب والذي يتربع على عرش الإبداع ويتبوأ مواطنوه أرفع المناصب في الخارج يستحق منا أن نبذل قصارى جهدنا لتصويب البوصلة التي تأخر تصويبها .. فأن تأتي متأخرا خير لك من أن لا تأتي أبدا. لا شك أن ما يؤرق اللبنانيين ويقض مضاجعهم آنيا هو الوضع الإقتصادي العصيب الذي ينذر بإنفجار إجتماعي وشيك ما لم يتم تدارك الموقف بتشكيل حكومة تعيد التوازن وتخلق نوعا من الإستقرار ، يبدأ بعدها وضع المداميك والأسس لتوجهات إقتصادية حاسمة تحفظ بعضا من وجه اللبناني الذي يسير بمعاناته على كل الصعد. الأيام المقبلة مصيرية فإما إنهيار كامل وإما شعاع ونور في آخر الرواق يحمل قيامة هذا البلد ، ليصبح الآن قولا وفعلا لؤلؤة الشرق!!! سامر كركي إعلامي وكاتب سياسي