تفاصيل أخر اتصال مع القديرة مديحة يسرى لموقع عفكرة قبل وفاتها.
أسرار فى حياة سمراء النيل مديحة يسرى…
حسام مجدي القاهرة
تسابق في حبها فرسان الكلمة وعباقرة التلحين ليهدوا إليها أجمل ما تفيض به شاعريتهم الغامرة نحو جمالها الأخاذ فخرجت هداياهم جواهر خالدة نقشت بالنور على جبين الفن العربى إنها الفنانة مديحة يسرى التى رحلت عن دنيانا منذ أيام فى هدوء يليق بها عن عمر ناهز السبعة والتسعين عاما…
مديحة التى وقفت أمام عمالقة السينما والغناء في الوطن العربي بطلة لأفلامهم بينهم محمد فوزى وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ويوسف وهبى ورشدى أباظة وعماد حمدى كانت لها زيجات أربع بينها ثلاث من الوسط الفنى الأولى من المطرب والملحن محمد أمين الذي تشاركت معه في تأسيس شركة إنتاج سينمائى تبعه زواجها بالفنان أحمد سالم عام 1946وسريعا كان الانفصال لتتزوج الفنان محمد فوزى وكان لقاؤهما الأول في فيلم «قبلة في لبنان» ثم تعددت اللقاءات إذ اشتركت معه فى بطولة أفلام كثيرة مثل فيلم «فاطمة وماريكا وراشيل» و «آه من الرجالة» و «بنات حواء» وكانت الزيجة الأخيرة لمديحة يسرى من الشيخ إبراهيم سلامة الراضى شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية..
وفاة مديحة يسرى تعد خسارة كبيرة للسينما العربية والمصرية لكونها تمتلك تاريخا عريضا من الأعمال السينمائية ولكن ما يعوّض رحيلها ما تركته من بصمات فى السينما منذ أربعينات القرن الماضى ومديحة يسرى كما عرفتها كانت مثالا للسيدة الرقيقة للغاية والفنانة المتواضعة لأبعد حدود فكانت تجيب على هاتفها فى كل اتصال تليفونى أود به الاطمئنان على صحتها ورغم ظروفها المرضية الصعبة الا أنها كانت تصر على الرد بنفسها لدرجة أن بعض الاصدقاء من المغرب ولبنان والعراق طلبوا منى هاتفها الجوال للتواصل معها فاستجابت لهم جميعا دون استثناء واستقبلت بعضهم فى منزلها فى علاقة أشبه بالصداقة والاخوة وكان أخر اتصال هاتفى لى معها قبل وفاتها بما يقارب الأسبوعين وقتها تحدث معى عن انتقالها من مستشفى العجوزة الذى كانت تتلقى فيه علاجها إلى أحد المستشفيات التابعة للقوات المسلحة المصرية لاستكمال العلاج وطلبت منى أن أطلب من جمهورها الدعاء لها باستمرار وأشارت الى ان الفنانة نبيلة عبيد الوحيدة التى تسئل عنها يوميا وانها اسم على مسمى فهى حقا فنانة نبيلة جدا فى مشاعرها تجاه زملائها كما أوصت باقامة سرادق عزاء كبير لها فى حالة وفاتها حتى يتثنى لكل من أخذته ظروف الحياة أثناء حياتها من حضور عزائها بعد وفاتها…
الرقة والوداعة التي امتازت بهما الفنانة الاستثنائية كانت تترجم في شكل أفعال وأقوال ومواقف سجلها التاريخ وأيضا المقربون من دائرة حياتها لدرجة ان المقربين منها من زملائها فى الوسط الفنى يؤكدون أنها كانت تترك مساحة للممثلين أمامها لكي يظهر دورهم بكل أريحية كشىء من تواضع النجوم وأيضا لثقتها في ما كانت تتمتع به من موهبة عملاقة فى التمثيل كما أنها لا تنتقص من قدر أحد ولا تنقد آداء أو عمل الممثلين بشىء خارج عن المألوف فكان الاحترام لنفسها وللآخرين لديها أمرا غير قابل للمناقشة حتى إذا كانت تنتقد عملا فنيا فكان النقد فى إطار الاحترام المبنى على فهم العمل…
وقفت مديحة يسرى أمام العديد من الفنانين أبرزهم الفنان محمد عبدالوهاب باعتباره أول دنجوانات السينما المصرية آنذاك، وكان حضورها لافتًا لدرجة دفعت الموسيقار لأن يتغزل في عيونها برائعته “بلاش تبوسني في عينيا” من كلمات الشاعر حسين السيد، فتلك العيون جميلة بما يكفي لتُنشد من أجلها الأغاني، ولا عجب أن أجمل أغنيتين في جمال العيون صارتا من نصيبها، وهما أغنية “دارى العيون داريها.. السحر باين فيها”، و”يا جارحة القلب بعيونك.. يصونها المولى ويصونك”، وكلتاهما من غناء وألحان زوجها الموسيقار محمد فوزى..
كانت أكبر الصدمات فى حياتها هى الصدمة الكبرى التي تلقتها “سمراء النيل” كانت وفاة نجلها عمرو محمد فوزي في ريعان الشباب إثر حادث أليم بسيارته وهو ما أصاب الفنانة القديرة بنوبة انهيار عصبي واكتئاب حاد إلا أنها استعانت على ذلك بالصبر والاحتساب والصلاة وقراءة القرآن ليكون دليلها إلى الجنة ومنذ ذلك الحين بدأت تنطلق فى أعمالها الخيرية ونشاطها المجتمعي حتى نالت عضوية مجلس الشورى عام 1998 لتجد فى حل مشاكل البسطاء سلوانا بما لحق بها من أحزان.
جسدت مديحة يسري مختلف الأدوار، فناقشت القضايا الاجتماعية في أفلام مثل: “ابن الحداد، النائب العام، المصرى أفندى أولاد الشوارع” ودافعت عن قضايا المرأة في أفلام “الأفوكاتو مديحة، تحيا الستات” وغيرها، وأجادت دور الأم منذ شبابها في فيلم “حياة أو موت” مع عماد حمدي، ثم من بعده في فيلم “الخطايا” مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفيلم”خطيب ماما” أمام نبيلة عبيد وأحمد مظهر، وأمام نبيلة عبيد أيضًا في فيلم “الصبر في الملاحات”، والإرهابي أمام عادل إمام، وغيرها العديد من الأفلام...