بقلم جويس مسويا
كل يوم هناك عدد أقل من الأماكن المتبقية على الأرض للحياة البرية. إن التوسع في إنشاء المدن والأراضي الزراعية، وتدهور النظم الإيكولوجية وتغير المناخ يدفع الحياة البرية من موائلها الطبيعية إلى مناطق مجزأة وأصغر حجما. كما أن فقدان الموائل، سواء كان ناجما عن صنع الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر، هو أكبر تهديد للحياة على وجه الأرض.
لقد قضينا على 60 في المائة من الحيوانات البرية في السنوات الأربعين الماضية، وهناك أكثر من مليون نوع مهدد بالانقراض. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حركة الحفظ لوقف هذه الأزمة، بما في ذلك الاستثمارات في توعية الجمهور للحد من الطلب على منتجات الحياة البرية والالتزامات المالية الجديدة لتمكين حماية الأنواع المهددة، إلا أنه لم يُحرز تقدم كبير. ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في مناهجنا الحالية المتعلقة بالحفظ لتركيز اهتمامنا على الدافع الرئيسي لفقدان الأحياء البرية الصحية – موائلها.
وقد أصدر اليوم المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) تقريراً ينذر بالخطر بشأن تأثير النشاط البشري على الطبيعة. ينخفض التنوع البيولوجي عالميا بمعدلات غير مسبوقة في تاريخ البشرية. فقد تغيرت ملامح ثلاثة أرباع البيئة البرية وحدها بشدة بسبب الأعمال البشرية. والأهم من ذلك، أن هذه الاتجاهات تكون أقل حدة في المناطق التي تسيطر عليها أو تديرها الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
تعد الزراعة وإنتاج الغذاء عاملين رئيسيين لتحويل الموائل الطبيعية إلى أراضي زراعية. إن 60 في المائة من جميع الثدييات المذهلة الموجودة على سطح الأرض هي من الماشية، معظمها من الماشية والخنازير، و 36 في المائة من البشر و4 في المائة فقط من الحيوانات البرية. وكان هذا الوضع مختلف تماما منذ مائة وخمسين عامًا، حيث كانت الحيوانات البرية والغابات تهيمن على المناطق البرية.
يستخدم جزء كبير من التوسع في استخدام الأراضي الزراعية لإنتاج اللحوم. ومع أن الثروة الحيوانية تشغل ما يقرب من 80 في المائة من الأراضي الزراعية العالمية، إلا أنها تنتج أقل من 20 في المائة من المعروض العالمي من السعرات الحرارية.
ومن خلال التغيير السريع والجذري لكيفية إنتاج واستهلاك الغذاء، يمكننا تقليل تأثيرات الأزمة الحالية المتعلقة بالحياة البرية. ولا يمكن أن يأتي إنتاج الغذاء على حساب الأنواع الأخرى والمساحات الطبيعية. إنه مسار سيؤدي إلى زوالنا. ولتحقيق التوازن بشأن هذه المسألة، فإننا نحتاج إلى الانتقال نحو مصادر مستدامة للبروتين وزيادة إنتاجية زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة وإعادة استخدام الإعانات الزراعية الضارة.
إن الانتقال نحو مصادر مستدامة للبروتين يعد بتحقيق أرباح. ويمكن أن تكون هذه المصادر من البروتين النباتي أو الدواجن أو لحم الخنزير أو المصايد المستدامة. وسيبقى اللحم البقري بلا شك خيارًا للحصول على للبروتين، ولكن إذا أردنا إنقاذ الموائل، فنحن بحاجة إلى تقليل الاعتماد عليها. ولأسباب وجيهة منها: يشكل اللحم البقري 24 في المائة من استهلاك اللحوم في العالم، ولكنها تحتاج إلى 30 مليون كيلومتر مربع من الأراضي لإنتاجها، وبالتالي يحتاج اللحم البقري إلى مساحات شاسعة من الأراض مقارنة بمصادر البروتين الأخرى التي تحتاج مساحة أقل.
ويمكن القيام بذلك. ويعد ما قامت به سلسلة مطاعم ’’برغر كنج‘‘ من إنشاء شراكة مع مؤسسة ’’الأغذية المستحيلة‘‘ لإنتاج برغر يشبه قوام وطعم اللحوم ولكنه مصنوع من بروتين الصويا، مثالاً على الاتجاه المتزايد في هذا الشأن.
ومن بين 1.5 مليار مزارع حول العالم، يوجد 1.2 مليار من أصحاب الحيازات الصغيرة. ففي أفريقيا، لا تزال غلة المحاصيل الحالية للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة أقل عدة مرات في المتوسط مقارنة بالمناطق الأخرى. ولتعويض الفجوة الموجودة في الغلة، يتعدى المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة على أراضي الحياة البرية، مما يؤدي إلى نشوب النزاعات وتفتيت الموائل. ومع ذلك، ومع وجود التكنولوجيا الحالية، بما في ذلك البذور المحسنة وكفاءة استخدام المياه والزراعية، يمكننا التغلب على الحواجز التي تعوق الإنتاجية الزراعية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
إن الزراعة التي يغلب عليها الطابع الصناعي، التي تتميز بزراعة المحصول الأحادي على نطاق واسع، والاستخدام المكثف للأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، وإنتاج اللحوم، تخفي التكلفة الحقيقية للغذاء. وباتباع هذا النهج فإننا نعمل على تحفيز الممارسات الضارة بالموائل الطبيعية وخدمات النظام البيئي التي توفرها. ولذلك علينا تغيير هذا النهج. وقد أشار وزير الدولة للبيئة في المملكة المتحدة إلى أن مدفوعات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للمزارعين سيتم ربطها بالسلع والخدمات البيئية، مقابل كمية الأراضي المزروعة. وإذا ما نحج في تنفيذ ذلك، فإن هذا قد يغير قواعد اللعبة.
وقد يجادل البعض بأن فرض قيود على الطريقة التي ننتج بها الطعام هو رفاهية لا يمكن أن يتحملها إلا الدول الأكثر تقدما. ولكن البديل المتاح هو رمي النرد أي المغامرة والاكتفاء بمشاهدة فقدان موائل الحياة البرية – وفقدان النسيج بأكمله الذي يحافظ على الحياة على الأرض. يرتبط مستقبل الحياة البرية في نهاية المطاف بمستقبلنا.
إننا لدينا فرصة سانحة لتغيير طرقنا لحماية النظم الإيكولوجية بشكل أفضل، ويقع على عاتقنا مسؤولية القيام بذلك الآن. ونحن بحاجة إلى إرادة سياسية للوصول بنا إلى هناك. إذا كانت جهودنا الرامية إلى إنقاذ أنواع الطيور المغردة، والبنغول (حيوان آكل النمل)، والأفيال، وغيرها من الحيوانات البرية المعرضة لخطر الانقراض، ناجحة، وإذا أردنا إنقاذ العديد منها، فإننا نحتاج إلى رفض الخيارات التي تدمر الموائل. فهذه الخيارات لم تعد تخدم إنسانيتنا ولا الأجيال القادمة. كما أنها لن تساعد في تهدئة الإحباط المتزايد من ردود فعل الحكومة بشأن أزمة الانقراض.
جويس مسويا هي المديرة التنفيذية للأمم المتحدة للبيئة بالنيابة والأمين العام المساعد للأمم المتحدة. ولدى جويس أكثر من 20 عاماً من الخبرة في مجال التنمية الدولية والاستراتيجية وإدارة المعرفة والشراكات. تويتر: @JoyceMsuya