يعيش لبنان منذ تأسيس هذا الكيان عام 1920 على تناقضات غريبة وعجيبة ، أفضت إلى صراعات بعضها محدودة وبعضها مؤثرة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته. منذ أحداث سنة 1958 وما سبقها وما لحقها من عربدة صهيونية كانت تطغى على المشهد العام ” برمته، إلى صدامات عام 1973 حيث تُوج هذا ” الزواج بالإكراه إلى اندالع الحرب الأهلية عام 1975.
أطلقت صافرة نهاية الحرب عندما أعلن الوصول الى تفاهم بين اللبنانيين بتوافق سعودي سوري أميركي في اتفاق الطائف عام 1989. ومضى أكثر من خمسة عشر عاما من الهدوء النسبي المصحوب بحروب إسرائيلية لم تغيّر شيئا بل زادت إصرار اللبنانيين على التحرير الذي أخذ حيزا في ايار 2000 . بعد عام 2005 والذي كان عاما مفصليا بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الشهيد رفيق الحريري، دخل اللبنانيون مجددا في صراع بات أعمق وتجلى في معسكري الثامن والرابع عشر من آذار وافضى ذلك إلى حصول صدامات بين القواعد الشعبية ، وأصبح انتخاب الرئيس وتشكيل أي حكومة يُفضي إلى فرز كبير جدا يبقي البلد على صفيح ساخن لأشهر وربما لسنوات كما حصل بعد انتهاء ولايتي الرئيسين لحود وسليمان. على اللبنانيين الإختيار بين بناء وطن وتعزيز روح المواطنة وبين الإصطفاف الطائفي والمذهبي الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم والتفرقة.وما دام شعبنا يقدم الولاء للطائفة والمذهب على حساب الولاء للوطن واعتماد لغة الآخر واعتبار كل طرف أنه يملك الحقيقة المطلقة لن يُبنى وطن ولن تقوم له قائمة. فليختر أبناء بلاد الفرادة والتميز والإرادة والصمود بين كانتونات ودويلات وتقسيم وأمن ذاتي، وما بين عكس تلك الصورة الناصحة البياض التي ننتهجها ونمثلها عندما نلتقي بلبناني في الخارج وعندما يتعزز لدينا ذاك الشعور بالإنتماء للوطن. من جهة أخرى ما دام ذلك العرق المذهبي ينبض حقدا وبغضا بالتعرض للمقامات ، والمقدسات ونلوذ إليه كلما أصبح وضعنا السيكولوجي هشا ،برهنا أننا خالو الوفاض أخالقيا ومعنويا وروحيا ولاداعي للتغني بولائنا للرسول الأكرم (ص) وللسيد المسيح (عليه السلام) ولأهل بيت النبوة ولصحابة رسول الله.
علينا الإنطلاق قدما في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، والتي لم تفرق بين مسلم ومسيحي وسني وشيعي ودرزي وإعادة تصويب البوصلة فلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه. لكي لا نكمل الصعود نحو الهاوية ، أيها اللبنانيون حكموا عقولكم وضمائركم وعودوا إلى الأصالة المنبثقة من عبق الحضارة ، ولنقف صفا متراصا لمواجهة السنين العجاف بنمطية عيش مختلفة وبعقلية معتدلة منفتحة.
أمس واليوم وغدا ُعوا قبل فوات الأوان.
بقلم الكاتب والصحافي سامر كركي