ما بين تسليم معظم الغدارات الأميركية ببدء تسليم السلطة إلى فريق الرئيس المنتخب جو بايدن وما بين تعنت الرئيس دونالد ترامب ودعوته المستجدة لأنصاره بقلب النتائج ، بدأت التحليلات والتي بان أن بعضها مبنيّ على معطيات تتعلق بالأسس التي سيبني عليها بايدن علاقاته مع الدول العربية وإيران والصين وهل سيكون نسخة طبق الأصل عن الرئيس الديمقراطي الاسبق أوباما الذي انطلق بسياسة ” الحرب الناعمة” وتعزيز وصول الاسلام السياسي للحكم وبعض الضربات الموضعية في أكثر من مكان ، والوصول للإتفاق النووي مع إيران عام 2015 والذي نقضه ترامب عام 2017 ، أم سيجنح الرئيس المنتخب نحو حصر الاولوية للمواجهة مع العملاق الصيني وترتيب الاولويات وترك هامش التحرك للفرنسي وغيره في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة ،وخاصة على وقع جوقات التطبيع مع الكيان الصهيوني . وفي ظل هذه الضبابية في المشهد برز كتاب الرئيس الاسبق أوباما ” الأرض الموعودة”وهو كتاب ليس فيه أسرار جديدة، ولعلّ أفضل ما في الكتاب الطريقة التي كُتب فيها والعرض التاريخي المبسط للكثير من الملفات التاريخية والسياسات المعقّدة.ويعرض هذا الكتاب “المذكرات الأولى” للفترة ما بين 2009 وحتى 2011 . لقد استعرض أوباما العديد من الشخصيات فبدأ ببوتين الذي أفرد له صفحات عديدة وقال: لقد نجح في جعل روسيا “ديكتاتورية ناعمة ” والديكتاتورية الناعمة تعني أن بوتين التزم بقواعد اللعبة واقتصاد السوق وقدر من المعارضة ولكن في النهاية نجح في أن يكرس كل السلطات ي يده وحوّل السلطة الى نوع أنعم بقليل مما كانت عليه أيام الاتحاد السوفياتي ، وأشار أيضا أن شعبية بوتين مرتفعة للعبه على المشاعر القومية الروسية ونجاحه في إعادة الاستقرار رغم الاقتصاد الروسي الضعيف بعد فترة طويلة من التذبذب والضمور بعد سنة 1991. ولكن الانتقاد الشخصي لبوتين كان ظاهرا حين شبّه بوتين بأنه يشبه” زعيم حيّ” في شيكاغو وانه قاس ومسيطر فقط على قدر هذا الشارع أو الحيّ. وبانتقاله للحديث عن المملكة السعودية تكلم أوباما باستفاضة عن زيارته الاولى لها في 2009 ولقائه بالملك وقتها عبد الله وكيف شعر بأن النظام حديدي، وأنه أقام مقارنة بين الاسلام الذي رآه والاسلام الذي عرفه حين كان يدرس في ستينيات القرن الماضي في أندونيسيا.واشار ايضا كما هو معروف للتنسيق القائم بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية على أساس ترك الشؤون الدينية لأصحاب السيطرة والنزعة الوهابية والشق السياسي بين يدي الأسرة الحاكمة. وفي حديثه عن ابن زايد أشار أنه أكد له أن سقوط نظام الرئيس الأسبق مبارك وصعود نجم الاخوان المسلمين سيعرض ثمانية انظمة للإنهيار والسقوط ويشير أوباما أن كلامه(ابن زايد) لم يكن استغاثة بل تحذيرا . وإلى الرئيس التركي أردوغان أشار أوباما أنه كان يستجيب للكثير من المطالب ولكن كان يرى أن التزامه بالقانون سيبقى سائرا طالما أن هذه الديمقراطية ستحافظ على سلطته. وأكثر ما استوقف العديدين في هذا الكتاب رأيه برئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو ، فمن الواضح أنه لا يحمل الود والتقدير له ويعتبره زعيم يميني متشدد لديه كره شديد للعرب تشرّبه من أبيه المهاجر من بولندا ومن المواقف المتعددة التي عاشها بنفسه. ويزيد أوباما أن اي خلاف مع أي رئيس وزراء اسرائيلي وحتى لو كان يرأس ائتلاف حكومة هشة والتي كان يرأسها في ال2009-2010 سيكون أكثر وقعا من أي خلاف مع رئاسة ما في أي دولة صديقة كاليابان أو إحدى الدول الاوروبية.وفي كتابه وتحديدا في الفصل الخامس والعشرين من الجزء الاول يجيب عن سؤال يطرح بقوة وبشكل دائم وهو ( ما سر النفوذ الاسرائيلي الكبير على القرار الأميركي ؟) على الصعيد الشخصي بدأ بالحديث عن أمّه وكلامها عن ” الهولوكست “والتعاطف الكبير معهم وانتقاله الى المدرسة والكلام بمثالية عن الكيان من قبل الاساتذة والتأثير الهائل للفلاسفة والكتاب اليهود الذين قرأ لهم في الجامعة. بالإضافة لاحقا للتأثير الكبير للأميركيين اليهود الموجودين في الولايات المتحدة وتأثير اللوبي اليهودي وتحديدا ” إيباك”التي باتت تطالب بأن لا يكون هناك اي فارق بين السياسة الاميركية والاسرائيلية، وأن على الاميركيين أن يدافعوا عن اسرائيل حتى لو تبنّت قرارات تعارض الموقف الاميركي . لا شكّ أن الجزء الاول من كتاب ” الارض الموعودة” فنّد آراء اوباما برجالات الشرق الاوسط بأسلوب سلس ونقدي لاذع في كثير من الأحيان من دون الأخذ بعين الاعتبار مدى تقارب هذه البلدان مع الولايات المتحدة تكتيكيا او استراتيجيا. بانتظار تفنيد الأجزاء الأخرى ، كيف ستبدو الأراضي مع الإدارة الجديدة ؟ وتحت أي مجهر ستوضع بعض الدول؟ وهل ستثبّت أذرع ” الدولة العميقة” بأجهزتها المختلفة سياسات بايدن اتجاه مناطق الصراع الملتهبة؟
سامركركي كاتب ومتابع للشؤون الدولية والاستراتيجية