لا شكّ أنّ العالم بعد كانون الأول 2019 يختلف عن العالم قبله ، فنازلة كورونا التي عصفت ونزلت كالصاعقة وغيّرت شكل الكون من ووهان الصينية إلى كل الأصقاع أثّرت على اقتصاديات الدول من متقدمة أو ما يمكن أن نطلق عليها ” منتجة” أو دول عالم الشمال ، وزادت من معاناة عالم الجنوب أو الدول النامية واحدثت انكماشا اقتصاديا ستبقى تداعياته لفتره طويلة.ضربت هذه النازلة انماط المعيشة، فالدول الرائدة اقتصاديا صرفت حزما مالية لمواطنيها بعد فترة الاقفال القسري الذي يبدو أنه يتجدد مع قدوم الموجة الثانية ، أما الدول الفاقدة لأي مقوّم إنتاجي فبعضها يقوم على الإعانات أو المساعدات ويتكأ على صندوق النقد أو البنك الدولي والبعض الآخر ساهمت أزمات اقتصادية سبقت انتشار هذا الفيروس في وضعه في العناية الفائقة بانتظار معجزة ما!! أيّ نظام عالمي جديد ؟ وهل هذه النازلة مؤامرة كبرى على الشعوب؟ يصر الملايين من البشر أن كورونا مؤامرة كبرى على الشعوب . العلماء ينطلقون علميا أن كورونا فيروس خطير وهم يفتشون عن أصل هذا الفيروس ويرجحون أنه جاء من الخفافيش وانتقل للإنسان عبر وسيط . يرد المشككون أنه فيروس مصنّع بفعل فاعل . فيروس كورونا منذ الأيام الأولى ارتبط بالعديد من نظريات المؤامرة .نظرية عُمّمت وأخذت مكانا ورهجة وهي (الغرايت ريست ) والتي اطلقها الدكتور كلاوس شواب تبنى على الدعوة الى النظر في النظام العالمي الحالي وأن العالم في تحول عظيم وأشار شواب أن النظام القائم فاشل ونحتاج إلى بديل فما هو النظام القائم وما هو البديل؟ إن النظام القائم هو ” الليبرالية الجديدة “وهو شكل متطرف من اقتصاد السوق الحر ، المبدأ العام فيه أن الدولة لا تتدخل في إدارة النشاط الاقتصادي وتترك للقطاع الخاص كامل الحرية بأقل قدر ممكن من الضوابط وهو قادر من خلال العرض والطلب على التصدي لأي خلل ، وقد ظهر في هذا النظام فشل متعاقب وهو ما لمسناه في معالجة كورونا ومن الآثار الكارثية على البيئة.كلاوس شواب اقترح شكلا جديدا من الرأسمالية فبدل أن تترك الأسواق لقواعد العرض والطلب من دون أي ضوابط بحيث أن الشركات تعيث فيها فسادا ، فلْتتدخل الدولة وتأخذ بعض الضرائب وتنفقها على شكل رعاية صحية ومساعدات للعائلات الأكثر فقرا وغيرها من برامج الإعانة لتستمر الحياة. شواب يعتبر أن فيروس كورونا فرصة ذهبية لكي يتغير العالم ، السبب الأول أن هذا الفيروس أدى الى وجود أزمة اقتصادية عالمية كبيرة ،والعالم يحتاج الى إعادة بناء الاقتصادات ومن الأفضل إعادة البناء على معايير فضلى. السبب الثاني أن الأزمة خلقت مناخا يسمح بسماع أفكار جديدة ، فالكوكب في صدمة وهذا المناخ يسمح بتبادل الآراء والأفكار. أما الذين يروّجون لنظرية المؤامرة فهم لا يهتمون لكل هذا الكلام وجلّ اهتمامهم ينصب في مكان آخر .في تشرين الثاني الماضي أشار مسؤول كندي في ما يسمى ” لجنة التخطيط الاستراتيجي ” في رسالة الى الكنديين أنّ الحكومة الكندية مقبلة على خطة تستغل فيها أزمة كورونا وذلك لفرض اجراءات قمعية لمصادرة حرية الناس وأموالهم وأنها سوف تصادر الكثير من الممتلكات الخاصة بالاثرياء ، الحكومة الكندية بدورها كذّبت هذا الكلام طبعا ولكن هذا الكلام المتهافت أصبح مسموعا في كندا وأخذ أشكالا وروايات ، حيث استندوا في تفنيد ادعائهم أن رئيس الوزراء الكندي ” ترودو” في جلسة للأمم المتحدة في أيلول تكلم عن ” الغرايت ريست” أو إعادة التعيين الكبيرة . فايروس كورونا ارتبط بالعديد من نظريات المؤامرة وتقريبا كلها تدور حول نخب ( تستغل هذه الأزمة لتحقيق مصالحها )، حيث يمكن أن تكون هذه النخب حكومات ( كنظرية مسؤولية الحكومة الصينية عن تصنيع هذا الفيروس لضرب اقتصاديات الدول الغربية وأخرى للولايات المتحدة انها صدّرت الفيروس للصين كي تدمّر اقتصادها ). ويمكن أن تكون النخب شركات كنظرية نشر شركات الأدوية الفيروس لكي تحقق أرباحا بمليارات الدولارات ووصل البعض إلى نظرية ربط انتشار الفيروس بالحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة لإطاحة البطل العظيم ترامب عن الكرسي الأول الذي يحمي به الولايات المتحدة كما قال أنصاره !!كما طالت نظريات المؤامرة أيضا العديد من الشخصيات كممثلين أمثال ” توم هانكس ” و” ميريل ستريب”بالإضافة الى اتهام الذائع الصيت” بيل غايتس” فهو المسؤول حسب كثيرين من أصحاب هذه النظريات عن نشر الفيروس للترويج للقاحات ولجني مليارات الدولارات حيث لديه مؤسسات حول العالم تهتم بهذا الشأن ، واستندوا أيضا لما قاله أيضا عام 2015″لقد انتهت الحرب النووية لكن الحرب القادمة هي حرب فيروسات ستقضي على البشرية. هناك فرق بين المؤامرة وهي موجودة وبين نظرية المؤامرة وهي الخوف من مؤامرات لا يوجد عليها دليل أو قرائن أو منطق. لا شكّ أن الناس بحاجة دوما لتفسيرات سهلة لشرح نظريات معقّدة، لذلك تجنح دائما نحو تصديق ما يسمى ب” نظريات المؤامرة” ، ولكن لن يكون هناك أدنى شك أننا مقبلون على نطام عالمي جديد وتكوين اقتصادي مستحدث مبني على أسس إعتقد البعض أنها اندثرت أو ذهبت إلى غير رجعة فالليبرالية المتوحّشة أثبتت فشلها، فأهلا بنيو اشتراكية…… سامر كركي كاتب ومتابع للشؤون الدوليّة والاستراتيجيّة