Menu

روسيا والبحر الأحمر والواقع القادم.

سواء أكانت الأولوية لدى الإدارة الأميركية تحجيم روسيا والإستعاضة عن “الإحتواء”الذي مُورس لعقود مضت إبان الحرب الباردة بين القطبين الأميركي والسوفياتي ، أو محاولة “التفكيك” ، يستمر الروس بنسج وحياكة سياسة خاصة بهم تتحكّم فيها البرودة ” المتّزنة” التي تفرض نفسها لهبا في أكثر من مكان وموقع على الصعيدين السياسي والعسكري.لا شكّ أن بوتين يجنح ومنذ ردح من الزمن نحو محاولة سد الفجوة التي يعاني منها الإتحاد الروسي وما كانت تعاني منه الإمبراطورية الروسية منذ نعومة أظفارها ألا وهي إنشاء أسطول بحري مهيب وسيطرة هذا الأسطول على المسطحات المائية والتحكم بالممرات . ورغم ارتباط روسيا شمالا وغربا بالبحار إلا أن لا قدرة للإستفادة بسبب الظروف الطبيعية المتحكّمة ،أو بسبب ظروف لوجستية غربا تتعلق بضرورة وجوب المرور عبر اللاعب التركي. إن استمرار عملية الربط بين المسطحات وتطويع الممرات المائية للعقل الروسي وجب التواجد في أكثر من نقطة لحماية المصالح ونقل الثروات الطبيعية ورصد الأخطار. فمنذ قرون مضت والروس يحلمون بإطلالة على المياه الدافئة (التي تصلح للملاحة طوال أيام السنة) ، وكما لكل دولة سبب للوجود، فروسيا ايضا ليست استثناء، وهي تريد أن تكون دولة عظمى أو على الأقل دولة كبرى ، ولكي تكون دولة كبرى أو عظمى هناك شروط وواحد من هذه الشروط أن يكون لديها أساطيل قوية تجوب العالم ، فالولايات المتحدة أساطيلها في كل ركن من أركان العالم ولديها مئات القواعد العسكرية والتي تقدّر ب 800 قاعدة .بعد ترتيب أوضاع البيت الداخلي الروسي انشأت روسيا قاعدتين عسكريتين ما بين جوية وبحرية في حميميم واللاذقية (سوريا) ،ثم تعاقدت على قاعدة بحرية على البحر الأحمر في بورسودان في السودان وتحديدا في كانون الأول الماضي.هناك ملحوظتان أولهما أن الروس والسودانيين لم يقولا أن هذه القاعدة قاعدة عسكرية بل مركز إمداد وتموين ، فالقاعدة العسكرية متعددة الأغراض ..أما هذه القاعدة فصغيرة الحجم تتسع ل 300 فرد وتخدم أربع سفن بحرية والملحوظة الثانية أن الهدف المعلن لها تموين السفن البحرية الروسية في البحر الأحمر والتي تذهب إلى إفريقيا أو الشرق الأوسط . للإتحاد الروسي عدة مصالح ما بين مصالح أمنية واقتصادية واستراتيجية ، فعلى الصعيد الأمني: أي اضطرابات أمنية في منطقة الشرق الأوسط وما حوله تؤثر على روسيا والأمثلة ماثلة كالقرصنة التي قامت سنة 1998 بعد الاضطرابات في الصومال والتي أثرت على حركة النقل الروسي. وإذا انتقلنا إلى الشق الإقتصادي فإن منطقة جنوب غرب آسيا والشرق الأوسط مناطق ثقل رئيسية في الإقتصاد ومن ناحية متصلة فإنّ فيها معظم الأسواق المنتجة للبترول والأسواق المستهلكة أيضا (تشمل أوروبا أيضا)، فالبترول والغاز يمثل لروسيا من 16 إلى 20 بالمئة من الناتج المحلي الروسي ، ويمثل حوالي 50 بالمئة من ميزانية روسيا الفدرالية وحوالي 70 بالمئة من صادراتها،وأي عامل يؤثر على أسعار البترول والغاز يؤثر على الأمن القومي الروسي ، لذلك فالدب الروسي يسعى لتأمين هذا السوق من خلال المفاوضات “أوبيك +” أي الدول المصدرة للبترول والغاز رفقة روسيا ، كما أنها تسعى لتواجد عسكري يحمي المجاري المائية أثناء نقل البترول والغاز.أما على المستوى الإستراتيجي ،فالغرب يحاول أن يقف كسد منيع أمام هذه الطموحات ، فماذا تستفيد روسيا من قاعدة عسكرية على البحر الأحمر ؟ طبعا دول العالم الكبيرة عقدت آمالا على القارة السمراء حيث فيها أسواق لم تشهد تنمية بعد، ونموها يعود بعائدات ضخمة على الدول الصناعية وأراضيها فيها الكثير من الثروات الطبيعية . وللتذكير فإن 80 بالمئة من عمليات التسليح التي قام بها السودان عقدها مع الروس وهم مهتمون أيضا بالذهب السوداني وبالغاز في موزمبيق وبالألماس والأخشاب واليورانيوم في إفريقيا الوسطى ،وإذا أحصينا عدد الإتفاقات بين الروس والدول الإفريقية نرى أن اتفاقاتهم (الشراكة والتعاون)كانت مع أربع دول إفريقية عام 2015 وأصبحت الآن مع 21 دولة إفريقية . القواعد العسكرية الروسية أو على الأقل اهتمام الروس ببسط السيطرة وخاصة في منطقة القرن الإفريقي أو وادي النيل والتي بدأت بالظهور، تثير حفيظة الغرب منذ تصريح أول أمين عام لحلف شمال الأطلسي والذي قال في بداية الخمسينيات : “الهدف من الحلف هو التحالف بين أوروبا لتحجيم النفوذ الروسي وتركيع الألمان “.جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق والذي نشر مذكراته وحيث قال فيها : “الأهداف الأساسية الاستراتيجية الأميركية هي محاصرة النفوذ الرسي والصيني في إفريقيا، ثم قال في صحيفة”الواشنطن بوست” في 2019 “نحن حتى هذه اللحظة لم نقدر على إضعاف النفوذ الروسي والصيني فكلاهما يتمدد ونحن نتراجع”.وقد تسرب أيضا عن وزارة الخارجية الألمانية وثيقة نشرت في أكثر من صحيفة عن سعي الروس لإقامة أكثر من قاعدة في مدغشقر وليبيا وتحديدا في الجفرة. يستمر الروس بالرغم من التمديد ل”ستارت3″ بالتوسع في إفريقيا ليشهد العالم بؤرا مرجحة للإنفجار فما بين سوريا حجر الأساس في اي تحرك جيو سياسي ،ومابين إقليم كشمير والذي سيفجر شبه الجزيرة الهندية بين الفينة والأخرى وبحرالصين الجنوبي الأشبه بمصنع يقف على صفيح ساخن ، يقف الروس معاندين والربط بين البحار أصبح قاب قوسين أو أدنى فهل سينجحون ؟أم سيردّ الغرب ليعيد خلط الأوراق ؟ سامر كركي كاتب ومتابع للشؤون الإستراتيجية والدوليّة

فيديو اليوم