تشغل تركيا العالم في هذه الفترة بتصريحات من أعلى الهرم إلى المتحدّث بإسم الرئاسة إبراهيم قالين مرورا بقيادات حزب العدالة والتنمية إلى منشقّين ومطرودين من حزب الرئيس تنادي بضرورة فتح صفحة جديدة مع مصر و تزداد تشعّبا لتشمل دول الخليج والإتحاد الأوروبي وقد سبقها منذ أسابيع ” غزل” بين أردوغان وماكرون .تركيا التي سارت في مسار ما يسمى ب”صفر مشاكل” والذي تظهّر عامي 2007 -2008 والتي اعتبرت أنها الأنجح والأنجع في اللعب على التناقضات ، وبعدما كان يُطلق على حركتها الآخذة في الصعود وترجيح الكفّات في القوقاز وشمالي إفريقيا ب”الحيوية الفائقة” أضف إلى ذلك إعلاء الصوت شرقي المتوسط ، تجد نفسها الآن تقدم رِجلا وتؤخر أخرى حتى بتنا نسمع عبارات لم نألفها منذ ثماني سنوات يغلب عليها الإنفتاح والحوار وإعادة وصل ما انقطع وحتى ” أخطأنا مع مصر ” وتردد صداها في أرجاء المعمورة حتى دقّت جدران البيت الأبيض الذي يمعن ساكنه في اللامبالاة. تدهورت العلاقة بين مصر وتركيا وفقا لما حدث في 3 تموز 2013 والذي اعتبرته تركيا انقلابا على الشرعية (حكم الرئيس مرسي) وبنت أقوالا وأفعالا عدوانية على أساسه ، حيث كان الموقف التركي فريدا وقاربه موقف الإتحاد الإفريقي لمدة قصيرة حيث سرعان ما غيّر موقفه في أوائل 2014، بينما اكتفى العالم بالحذر والقبول والمراوحة . هناك أربعة تفسيرات لهذا التوجّه في 2013 ، التفسير الأول :تفسير أيديولوجي حيث يربط بين تركيا الحالية وحكم الرئيس السابق رابط إخواني . التفسير الثاني : ما حدث أفسد مشروعا كبيرا توافق فيه الأتراك مع الأميركيين في ذلك الوقت (أوباما) لرسم خارطة جديدة لدعم الإسلام السياسي ودعم الإنتفاضات ضد أنظمة الحكم التي تُتهم أميركا بحمايتها .التفسير الثالث : يُخشى إن هو بارك وقتها ما حدث في مصر سيؤثر ذلك على جبهته الداخلية وخاصة في بلد شهد عددا كبيرا من الإنقلابات في تاريخه الحديث وساهم بنفسه في تقليص نفوذ الجنرالات في الجيش التفسير الرابع : جزء كبير من قاعدته الإنتخابية هواها إخواني وهو حريص على إرضائها. رغم كل هذه التفسيرات فإن الموقف الرسمي التركي أشار أنهم قلصوا علاقتهم مع مصر استنادا إلى القيم والمبادىء، ومن قال ذلك إبراهيم قالين والذي كان وقتها وكيلا لوزارة الخارجية وأصبح الآن متحدثا بإسم الرئاسة التركية ،واستعمل ايضا عبارات ك”مصر قلب وعقل العالم العربي ” . هناك شبه إجماع أن سياسة “العزلة الغالية” لم تسفر أي نتائج إيجابية لتركيا ، حيث تخيّل أردوغان أنّه قادر على تنفيذ تطلّعاته بمباركة من الإدارة الأميركية آنذاك ، ومع مرور الوقت تبيّن أنّها لم تحقّق شيئا بل تضررت تركيا بشكل كبير وأصبحت في شبه عزلة . ولكن أهم اعتبار للرئيس أردوغان هو الرئيس الجديد للولايات المتحدة جو بايدن حيث تفجّر الخلاف بين الدولتين من الموقف من الكرد في سوريا إلى ملف حقوق الإنسان وملفات قضائية ضد تركيا في المحاكم الأميركية في ما يتعلق ببنك خلْق المتهم بغسل وتبييض أموال لصالح إيران ، إضافة إلى ملف توتر العلاقة بين تركيا والإتحاد الأوروبي، إذ إن بايدن أظهر حرصه على دعم حلفائه التقليديين (الأوروبيين منهم )والخلاف الآخر المتعلق ب أٍس 400 هدية بوتين “المسمومة” كما يطلق عليها.يهدف اردوغان من مجمل حركة إدارته تعزيز نفوذه في العديد من الدوائر وليثبت للولايات المتحدة أن عضويته في الناتو مؤثرة، ولكن كيف سيثبت ذلك واوروبا ترى انه يمارس سياسة عدوانية اتجاه اليونان وقبرص ، كما يأنه يحتاط بتحسين علاقاته مع كل هذه الدول تحسبا لما هو أسوأ مع الولايات المتحدة …يبقى السؤال الأهم هل ستنجح جهود تركيا في إجراء مصالحة مع مصر؟ إن هذا الأمر يتوقف حسب الإدارة المصرية حول قدرة اردوغان على علاج الخلاف الرئيسي وهو موقف تركيا من الجماعات التي تعادي النظام القائم في مصر من إخوان مسلمين ورموز معارضة وقنوات تبث من تركيا . يبدو أن هالة الرئيس بايدن فعلت فعلها .فما بين الود المفقود بين الرئيسين التركي والأميركي وبين التطورات المتسارعة وانتخابات 2023 وتراجع الإقتصاد التركي الذي فقد رويدا رويدا بعضا من عناصر استقراره وليس قوته ،يقف إردوغان على مفترق طرق ويمشي بتؤدة إلى حيث المجهول…. سامركركي إعلامي وكاتب في الشؤون الدوليّة والإستراتيجيّة