Menu

روسيا والولايات المتحدة… ولا ذوبان لجبل الجليد!

يشتعل العالم في أماكن متعددة من بحر الصين الجنوبي إلى شرق المتوسط وآباره التي تغذي الصراعات بين عدّة قوى ، إلى حوض النيل ومسألة سدّ النّهضة التي تهدد الأمن القومي لأمّ الدّنيا ، ففلسطين المحتلّة ووصول حكومة يمينيّة أشدّ تطرّفا من سابقتها ، يبقى تاثير القطبين الكبيرين الولايات المتحدة وروسيا كبيرا في معظم الملفّات أضف إليهم الحضور الصيني الطاغي منذ اكثر من عقد وتوغّله في أكثر من قارة عن طريق مبادرات ومشاريع تنموية واستثمار مرافىء. تابع العالم لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي في سويسرا وما يمكن أن يسفر عن هذا اللقاء ، ولكن ما هو مؤكد” لا شيء يذكر”.المسؤولون في البلدين يؤكدون أن العلاقات وصلت إلى أسوأ مستوى بينهما منذ فترة طويلة ، ولكن الأصح أن العلاقات بينهما لم تكن أبدا جيدة إلا لفترات قصيرة ولظروف استثنائية منذ 76 سنة اي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،وحتى منذ أكثر من مئة عام أي عند قيام الثورة البلشفية سنة 1917.يبدو ان البلدين مختلفان على كل شيء من حقوق الإنسان والمناخ إلى السباق إلى التسلح، حيث يمكن تلخيص أبرز الخلافات في كلمتين” معضلة الأمن” ، فكل طرف يعتبر الآخر تهديدا له ويقوم بإجراءات تستفزّ الطرف الآخر الذي يتخذ اجراءات مماثلة. ما يقلق الروس ثلاثة ملفّات : أولا: تفوق الولايات المتحدة في الأسلحة التقليدية التي تطورها بشكل مستمر وبشكل يقلق الروس .ثانيا: توسع حلف شمال الأطلسي شرقا ، فروسيا تعتقد أن الهدف النهائي منه هو تطويقها . ثالثا: رغبة الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة الصديقة لروسيا تحت ما يسمى ” دعم الديمقراطيات” أما ما يقلق الولايات المتحدة فيتلخّص بالتالي: أولا : تركيز روسيا على تطوير ترسانتها من الأسلحة النووية. ثانيا:سعيها الدائم لتقويض النظم ” الليبرالية” بما فيها نظام الحكم في الولايات المتحدة وذلك بالتدخل في انتخابات 2016 ومحاولة التلاعب في الرأي العام الأوروبي حسب رأيها. ثالثا: استعداد الروس لانتهاك سيادة بعض الدول المجاورة كأوكرانيا. رابعا : دعم الروس لما تسميها الولايات المتحدة بالدول المارقة كإيران وفنزويلا. خامسا التطور المستمر في العلاقات الروسية-الصينية والذي يضر بمصالحها على المديين القريب والبعيد. ولكن ما سرّ هذا العداء الكبير؟ يملك كل من البلدين عقلية مختلفة واضحة للقاصي والداني، وهذه العقلية هي التي ترسم السياسات الخارجية التي يدخل فيها تمازج التاريخ بالجغرافيا، فالولايات المتحدة بلد حاربت ولم تضع السلاح منذ 1776 وبعض المؤرخين يقدر أنها اشتبكت في 188 عملية عسكرية كبيرة أوصغيرة ، فحروب بلاد العم سام هي حروب الدولة المطمئنة للدفاع عن مصالحها بغض النظرعن أحقية هذه الحروب من عدمها وهي في أغلبيتها الساحقة تنطلق من منطلق استعماري توسّعي. أما الروس فيعتبرون أن حروبهم وجودية ( نكون أو لا نكون)، فروسيا بلد شاسع المساحة بعدد سكان قليل نسبة إلى مساحته (حوالي 140 مليون نسمة)وليس لديه موانع طبيعية يمكن أن تحميه ، فالجغرافيا تشكل هاجس الروس الأول ومعظم الغزوات كانت تتم من جهة الغرب من البولنديين إلى السويديين ثم نابليون في 1812 عندما قام بمغامرته الشهيرة إلى 1914 عندما قام الألمان بغزو روسيا وبعدها في 1941. منذ إيفان الرهيب الذس ابتكر عقيدة الهجوم من أجل الدفاع إلى غزوات بيتر وكاثرين وستالين وحتى بوتين فالروس يبحثون عن أمرين : الأول هو إيجاد منظقة عازلة والثاني موانئ في المياه الدافئة. لا شكّ أن روسيا “بوتين” تختلف كثيرا عن روسيا ” يلتسين” والإنبطاح للغرب الذي تجلّى في اكثر من ملف ، ومن عَسْكَرَ القطب الشمالي وأصبح رقما صعبا في أكثر من منطقة وقارّة لن يصعب عليه منازلة الأميركيين الذي على ما يبدو لم يستسلموا وانتقلوا من سياسة الإحتواء إلى سياسة التفكيك(روسيا) . ما بين فكرة القلعة المحاصرة التي تقض مضاجع الروس والدب الروسي الذي يجب أن يبقى متنبها ، هل يمكن أن تبنى الثقة في يوم من الأيام ؟ أجدها أضغاث أحلام، والتاريخ يشهد…

سامر كركي إعلامي ،وكاتب في الشؤون الدولية والإستراتيجيّة

فيديو اليوم