Menu

وضاح: «أصعب أنواع الغربة هي تلك التي تكون داخل الوطن، حيث تكون في محيطٍ سياسي أو اجتماعي مختلف عنك

النشرة الدولية – رأى الشاعر السياسي والاجتماعي المعروف نشمي مهنا «وضّاح» أن «الربيع العربي قد يتجدّد في بعض الدول العربية، على الرغم من أنّ فشله كان أشبه بنكسة عام 1967، إذ إنّ بعض الدول والحكومات والسلطات عملت على إفشاله بطريقةٍ مدروسة، كما كان للنفط الخليجي دور في تخريبه»، مبدياً استياءه من «عودة الدول العربية إلى القبلية والعشائرية والطائفية، بعد جهود أجيالٍ للسير نحو الدولة المدنية التي اتّضح أنّنا خُدعنا بها، فكانت كذبةً ووهما، بدليل سرعة سقوطها». اعتبر الشاعر الشعبي المبدع وضاح أنّ «أصعب أنواع الغربة هي تلك التي تكون داخل الوطن، حيث تكون في محيطٍ سياسي أو اجتماعي مختلف عنك، فتكتب بهدف التصحيح والتنبيه»، مشيرا إلى أنّه يكتب بحدود قانون النشر في الكويت، من دون أيّ رقابة مسبقة أو منع أو قيود، «ومتى تطوّر القانون وارتفع السقف أرتفع معه». مهنا، وضّاح وغاندي، ثلاثة أسماء عُرف بها الشاعر الكويتي المناضل والجريء الذي استضافته «أكاديميّة لوياك للفنون- لابا» ضمن برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، حيث حاوره طلاب من الكويت ولبنان، سبق أن خضعوا لورشةٍ تدريبيّة تحت إشراف الإعلامية جيزال خوري. في مستهلّ اللقاء، أوضح الشاعر وضاح أنّ تعدّد أسمائه يرتبط باختلاف الألوان الشعرية، قائلًا: «بداياتي الشعرية كانت بالفصحى منذ أيام الدراسة، حيث انتقلتُ من الشعر العامودي إلى التفعيلة إلى قصيدة النثر. كما كتبت حينها الشعر الشعبي دون نشره إلا في مرات قليلة، لكن عندما بدأتُ بالشعر الشعبي السياسي عام 1989 تحت اسم (غاندي)، كنّا حينها نعيش ظرفا سياسيّا قبل الغزو العراقي سنة 1990، حيث نشأت حركة شعبية وتجمّعات أسبوعيّة عُرفت بـ (ديوانيات الاثنين)». وتابع: «الظرف السياسي دفعني إلى الكتابة باللهجة المحلية العاميّة، لأن الفصحى لن يكون لها التأثير الفاعل عندما أخاطب العامّة والجماهير بشأن سياسي محلي محدّد، ألا وهو حلّ مجلس الأمّة والمطالبة بعودة الحياة الدستورية البرلمانية». وضّاح، الذي كانت توزع نسخ من قصائده السياسية في ديوانيّة الراحل الكبير د. أحمد الخطيب، اختار اسم «غاندي»، باعتباره رمز المعارضة السلمية، وفق قوله لحوراء الإبراهيم، الطالبة في تخصص التواصل الإعلامي، «فهذه المعارضة تمثّل الحركة السياسية للكبار مثل أحمد الخطيب، وأحمد السعدون، وجاسم القطامي. وبعد التحرير، عدتُ إلى الكتابة بالفصحى، لكنّني كنتُ ممتنعا عن النشر حتى عام 1997، حيث نشرتُ بعض النصوص في جريدة (القبس)». ولفت إلى أنّ «كلّ كاتب أو شاعر يعتمد على المخزون الأول من القراءات المبكرة. ففي كلّ مرحلة قرأتُ كتبا محدّدة، من كتب التراث إلى الشعر والتاريخ وكتب الأدب القديمة، بينها دواوين إيليا أبو ماضي وأحمد شوقي، وتأثّرتُ بقصائد فهد العسكر وخصوصية شعره في الكويت، كما أنّ حبّي للّغة العربية كان له الدور الأساسي». وضّاح الذي تميّز باقترابه من الخطوط الحمراء، أوضح أنّه يشعر بالغربة في وطنه، «إذ لكلّ فردٍ رأيه الخاص في أيّ شأن سياسي أو اجتماعي أو غيره، وهذه أصعب أنواع الغربة، عندما تكون في محيطٍ سياسي أو اجتماعي أو غيره مختلف عنك، وأنت غير قادر على التصحيح، فتكتب بهدف التصحيح والتنبيه». واعتبر أنّ «مؤسساتنا والوزارات هي نماذج مصغّرة عن السلطة التنفيذية والحكومات، وأنّ الإصلاح يبدأ من رفض الخطأ ومحاولة إصلاحه وتطبيق القانون». وإذ استعاد بداياته مع جريدة «الطليعة»، قال: «عدتُ إلى النشر إثر محاولة اغتيال النائب عبدالله النيباري، حيث كان الشعب منتفضا ومحاولة الاغتيال حدث غريب على الساحة الكويتية، وشعرتُ حينها بغضبٍ وقهر، فكتبتُ نصّا شعريّا بالفصحى، نُشر على الصفحة الأخيرة لجريدة (الطليعة). ومن ثمّ طلب أستاذنا الكبير أحمد يوسف النفيسي، أن أستمر بالكتابة». ووصف وضّاح «الرموز الكبيرة، مثل أحمد الخطيب والنيباري وجاسم القطامي وغيرهم من الذين فارقوا الحياة أو الذين ما زالوا على قيدها، بأنّهم الأمل بمستقبل أفضل. فهم مصدّات المجتمع ضدّ أيّ طغيان من أيّ سلطة أخرى، ومصدّات تحمي المجتمع من الزوابع وتحمي حقوق الشعب وجميع المطالبين بالحريات والديموقراطية وبرفع الظلم عن المستضعفين». وتعقيباً على سؤال زلفا عاشور، طالبة في تخصص الإعلام، حول المحاذير والاعتراضات على نصوصه ومقالاته، قال: «كان هناك بعض الخطوط الحمراء والتنبيه من الأصدقاء. لكن في صحيفة (الطليعة) كتبتُ من دون أيّ رقابة مسبقة، ومن دون أيّ ممنوعات أو محاذير أو قيود، ولم أتعرّض للمنع، لقد كانت تجربة مميّزة جدّا، فقد ضمّت (الطليعة) مجموعة من الكبار ومن الكتّاب الشباب، وفتحت لي مسار الكتابة ورسّختني كشاعرٍ يكتب شعرا سياسيّا. وبعد أن تركتُ (الطليعة)، كان جوابي الوحيد لكلّ من عَرضَ عليّ النشر «مَن يمنحني سقف الطليعة؟». وأضاف، «أمّا تجربتي مع جريدة (الجريدة)، فبدورها ضمّت أسماء كبيرة ومجموعة من الزملاء والأصدقاء، وكانت (الجريدة) متألّقة وليست بعيدة عن خط (الطليعة) وتوجّهها الليبرالي نفسه. وسمحت لي بالكتابة بحرية بحدود القانون، وكنتُ أحيانا أكتب قصائد تختلف عن توجّه (الجريدة) دون ممانعة من إدارتها، ولم ألقَ أيّ احتجاج أو مانع أو شروط، رغم أنّه رُفعت بحقي بعض القضايا، باعتبار أنّني تجاوزت الحدود. فواصلت نفس المسار السياسي والرسالة ذاتها». وفي تعقيبه على سؤال حسين سنا، خرّيج تخصص العلاقات العامّة والكاتب في مجال العلاقات الدولية، اعتبر الشاعر المتميّز أنّ «قصيدة النثر عبارة عن نضجٍ في الكتابة، وتُعدّ مجالاً للبوح أكثر»، وعن حدود الكتابة في الشعر الشعبي السياسي قال «إنّني أمارس نوعا من الرقابة الذاتية من خلال التعبير بطرقٍ رمزية لتجنّب الوقوع في محاذير قانون النشر، غير أنّها لحظة غير مريحة لأي كاتب عندما يريد التعبير عن أفكاره ويحاذر الرقيب سواء الذاتي أو الخارجي، ومتى تطوّر قانون النشر في الكويت وارتفع السقف أرتفع معه». وسلّط وضّاح الضوء على مفارقةٍ لافتة، حيث إنّه لم يتلقَّ «أيّ ضرر أو ردّة فعل غاضبة من أي فرد من الأسرة الحاكمة والشيوخ سواء رؤساء حكومة أو وزراء، بسبب قصيدة تنتقد أداءهم في العمل»، بينما كانت تنهال عليه ردود الفعل تستنكر وتحاول القمع لدى انتقاده «رمزا من رموز المعارضة، أو حتّى أي إداري أو مسؤول أو وكيل وزارة وغيره». وإذ استذكرت ميساء شيب الدين، الطالبة في تخصّص الإعلام والاتصال الجماهيري، استشهاده بمقولة الكاتب الألماني برتولد بريخت «الشعب صوّت ضد الحكومة، الحل إذا هو تغيير الشعب»، قال وضّاح: «كلّما انتخبنا مجلس أمّة بأصواتٍ وطنيّة نظيفة تدفع للتغيير وتحقيق الأفضل، عُطّلت الجلسات ووضعت أمامهم العراقيل، ووصلنا إلى حلّ مجلس الأمّة. إذا، تجربتنا البرلمانيّة متعثّرة منذ بدايتها، فهل المطلوب تغيير الشعب كي ترضى السلطات التنفيذيّة؟! مثلما جاء في عبارة بريخت الساخرة». وأوضح أنّ «الساحة الكويتية تضم الكثير من التيارات الفكرية المتباينة والمتنوّعة، بينها التيارات الليبرالية والتيارات الدينية بتفرعاتها، وكانت الغلبة لليسار ودعاة الدولة المدنية خلال فترة الستينيات والسبعينيات، أمّا التطرف فموجود في الجماعات الدينية بالكويت وغيرها، وللشعر الشعبي السياسي دور في طرح وتبيان الفكر التنويري». وأضاف في معرض رده على أنطوني مخول، المحامي بالاستئناف وطالب الدكتوراه في قانون الضرائب الدولي، أنّ «إحدى قصائده تلاها النائب صالح الملّا داخل مجلس الأمّة في ورقة الاستجواب الموجّهة لرئيس وزراء أسبق. فقد كانت المرة الأولى التي يُقرأ ويُسجل فيها شعر ضمن محاضر مجلس البرلمان، وهذه سابقة مشرّفة». وتابع: «لقد كانت القصائد في بدايات القرن الماضي تُسقط حكومات في الدول العربية، ولكن اليوم انتهى هذا الدور، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تأثيرا، فتغريدة واحدة حالياً أثرها أكبر من قصيدة منشورة في صحيفة يومية». وعبر عن أسفه «كوننا اليوم عدنا إلى القبلية والعشائرية والطائفية، في حين كان من المفترض المضي بمسار الدولة المدنية. وهذا ينطبق على عددٍ من الدول العربية، بينها لبنان وسورية والعراق»، متسائلا: «أين ذهبت الجهود على مدى أجيالٍ لتحقيق الدولة المدنية؟ لقد كانت الدولة المدنية كذبةً ووهما بدليل سرعة سقوطها». ورأى أنّ «الربيع العربي قد يتجدّد في أي دولة عربية وفق ظروف وخصوصيّة كلّ دولة، على الرغم من أنّ فشله كان أشبه بنكسة عام 1967 عند الأجيال السابقة، إذ إنّ بعض الدول والحكومات والسلطات عملت على إفشاله بطريقةٍ مدروسة، كما ساهم النفط الخليجي في تخريبه»، لافتاً إلى أنه كتبت قصيدة نُشِرت في «الطليعة»، بعنوان «يا نفطنا يا مخرّب الثورات». قصيدة النثر تمثّلني وفي حديثه عن طفولته، لفت وضّاح إلى أنّه نشأ في بيئةٍ بسيطة في عائلةٍ صغيرةٍ، متوسّطة الحال. وقال: «حرصت الوالدة على تعليمنا، بالرغم من أنّها غير متعلّمة، فزرعت في نفوسنا حبّ الدراسة والطموح. كما أنّني عشقتُ القراءة والشعر والفنون في وقت مبكر، فكان أن ألهمني الكثير من الشعراء خلال فترة شبابي، كشعراء الكويت المحليين أو شعراء المهجر اللبنانيين أو المدارس الأدبية المصرية. القراءات الأولى المبكرة تكون دائماً هي الأساس وبدايات التكوين. وفي الشعر الشعبي المحلي أحببتُ الشاعر فهد بورسلي من ناحية تميّزه بالشعر الشعبي، وغيره من الشعراء الكبار». وردّا على سؤال آخر، أجاب وضّاح: «تخصّصي في إدارة الأعمال جاء بالمصادفة، فكنتُ أنوي دخول كلية الآداب،». أمّا عن ذكرياته في جامعة الكويت، فأوضح أنّ «الأجواء كانت مختلفة في منتصف الثمانينيات، كان هناك انفتاح، وكنا نرى الحركات السياسية على تنوّعها تتجمّع في ساحات الكليات، سواء من الإخوان الفلسطينيّين وحركة (حماس) أو الحركات الإسلامية المتديّنة أو المجموعات اليساريّة أو القوميّة، بينما اليوم فقدت الكليات بريق العمل السياسي. وما يحدث حالياً في انتخابات الطلبة دليل أننا نعيش (زمن ردة)». نشمي مهنا (وضّاح)، الذي حصل على الجائزة التشجيعية عن الشعر الفصحى عام 2014 عن ديوانه «الماء في سورته»، أشار إلى أنّ «الجائزة أخذت بالاعتبار كلّ إصداراتي السابقة بالفصحى، وليس ما أكتبه كوضّاح طبعاً. وهي جائزة من الدولة والوطن، وليست من الحكومة»، موضحا أنّ «أهميّتها تكمن في أنّها جائزة تشجيعيّة لكلّ كتّاب قصيدة النثر». وعن المرأة في شعره، قال: «المرأة شريكة الحياة على المستوى الشخصي والمجتمعي والعملي، فهي نصف المجتمع ومشاركة أساسية في نهوض الأمم، لكنّها في دولنا قدرات متعطّلة». وتعليقا على سؤال الطالبة عفاف العوضي، خرّيجة تخصص الأدب الإنكليزي، رأى أنّ «الحب هو الإحساس بالحرية والانطلاق». وعن عشقه للماء، قال: «قضيتُ طفولتي على ساحل الفحيحيل، وكلّ أهل الفحيحيل عشّاق للبحر». وضّاح الذي يكتب حسب المزاج ويطمح للأعلى، وفق قوله، فإنّ أهمّ مشاريعه الاستمرار بكتابة قصيدة النثر التي تمثّل اسمه حقيقةً، في حين أنّه لا يمتلك هاجس الاستمرار بالشعر الشعبي الذي قد يتوقّف في أيّ لحظة. ونبّه في سياق رده على حياة الصباح، طالبة تخصص التواصل والإعلام، إلى «ضرورة أن يكون الكاتب حذرا عندما يقرر إصدار كتاب وعدم استسهال النشر رغبة في الشهرة السريعة، فنضوج النص والانتقاء شرطان لضمان الجودة»، مضيفا «يبدو أن هذا الحذر قد ورثناه من القامات الأدبية من الجيل السابق الذين تأثرنا بهم». أكتفي بالزاوية الشعرية وصنّف وضّاح جمهوره، قائلا: «في الكتابة الشعبية العاميّة، جمهوري هو الشعب الكويتي، وفي اللّغة العربية فهو كلّ قارئ بالعربية. كما أنّ بعض قصائدي في النثر تُرجمت إلى الفرنسية والألمانية، بحكم مشاركتنا في مهرجاناتٍ خارجيّة». وأوضح أن عدم الظهور الإعلامي «غير متعمّدٍ، لكن لا رغبة لي بالظهور في القنوات التلفزيونية أو وسائل التواصل الاجتماعي. أكتفي بالزاوية الشعرية، وهي بصراحة ليست دائماً شعرا صافيا خالصا، إنّما رسالة شعريّة وقضية أو انتقاد بهدف تصحيح أداء أو أفكار أو سلوك. أكتفي بهذه الإطلالة، ولا يشغلني موضوع الشهرة». واختصر وضاح الوطن بالقول: «الوطن أهلك وجماعتك وحنينك ونشأتك ومدارسك وأصدقاؤك، هو مرتبط بالحاضر والمستقبل، وليس فقط بالماضي والذكريات. فنحن عندما نكتب في اللحظة الآنية الحاضرة ندافع عن قضايا المستقبل ونطمح لمستقبل أفضل». وأجاب وضاح زنّوبيا ظاهر، الحائزة ماجستير في الإعلام والتواصل، حول مسألة مبارزته الموت بكلمة، قائلا: «في البدء كانت الكلمة، وأنا أُعلي شأن الكلمة، كما ورد في كتب الأديان السماوية. فالكلمة لها الأثر وهي الباقية بعد الفناء. الحياة تنتهي وتبقى الكلمة، ولا يبقى من الإنسان إلا الكلمة والموقف. وهناك من دفع حياته ثمن الكلمة الجريئة والصريحة». لم يخلُ اللقاء الشعري السياسي والاجتماعي من أبياتٍ شعريّة للضيف بلسان الطلاب المشاركين، في حين اختتم وضّاح بقصيدةٍ باللّهجة اللّبنانية عبّرت عن الواقع اللبناني بمعاناته ورجائه.

فيديو اليوم