تحت عنوان “آفاق تربوية لقضية 4 آب” انطلق مؤتمر مبادرة 4 آب في الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية يوم السبت، برعاية غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي
وشدد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر في كلمته على أن ذكرى 4 آب “دخلت في ذاكرةِ الوطن الجماعيّة وشكّلت “حالةَ دراسةٍ ” قلّ مثيلها، ليس فقط من بابِ الأذى الذي ولّدتهُ إنما أيضًا لعدم وضوحِ الأسباب وفقدانِ حقيقةِ ما حصل والاختلاف حولَ آليةِ التحقيق”.
وأضاف نصر أنّنا ” نحن أهل العلم والتربية، سنأخذ على عاتقِنا تربية أجيالٍ على معنى الحقيقة والعدالة، على حبّ الوطن والحفاظ عليه وعلى ممتلكاته وأرضه وشعبه ومؤسساته.
نحن نريدُ ألا تدخُلَ هذه الذكرى طيّ الكتمان. نحن نريد أن نتعلمّ منها ونستعبِرَ من معانيها لكي يكون كلّ مواطنٍ أكثرَ حبًا لوطنِهِ ولأرضِهِ ولشعبِهِ ولمؤسساتِهِ”، ولفت نصر الى أننا “نريدُ أن نربّيَ طلّابنا على تحمّلِ المسؤولية لئلا يتكرر تاريخ ٤ آب وما تبعه من مصائب مرة أخرى. لقد سئمتْ نفوسُنا من الخوف والحزن والأسى واللوعة، لقد تعبنا من انتظارِ الأسوأَ في حياتِنا. كل منا يعيشُ في لبنان مستشعراَ الخطرَ الداهم وكأن دمَه على كفِّه”.
وأشار نصر الى انه “يبقى للتربية أن تقولَ كلمتها وتلعبَ دورَها في بناءِ وطن الأحلام وتربيةِ الأجيال”، مؤكداً أننا” سندُخِلَ في مناهجنا الجديدة أسساً واضحةً للتربيةِ على المواطنيةِ الوطنيةِ والأخلاقيةِ والمؤسساتيةِ والديموقراطيةِ والفاعلة والحاضنة والتفاعليةِ والرقمية والكونية والمسؤولة والمحاسبة والناقدة والمستشرفة للمستقبل”.
وختم نصر قائلاً: “نحن نريد أن نقول للعالم أجمع: شعبنا يستحقُ الحياة. نريدُ أن نبنيَ بأنفسِنا وطنَ الأحلام، وطنَ القانون والمؤسسات، وطنَ البحبوحة والرخاء، وطنَ الاقتصاد والازدهار”.
من جهته، اعتبر مؤسس مبادرة ٤ آب ونجل الضحية غسان حصروتي، المهندس ايلي حصروتي أنّ ” الرابع من آب بكل فظاعته وأسبابه ليس تاريخاً فحسب، بل هو مرض، حالة سكنتنا، متجذّرة بنا، ومن خلالنا، في مجتمعنا ووطننا، ونحن بحاجة كي نرى هذه الحقيقة أوّلًا، ونعترف بها ونتحمّل المسؤوليّة، كي لا نصبح جميعنا ضحايا 4 آب”.
وأضاف حصروتي أننا “بتنا بحاجة كي نتّعظ من تاريخ 4 آب ونتعلّم منّه. وهكذا نكون قد انتقلنا من ردة الفعل، من موقف الضحيّة، إلى الفعل، إلى المبادرة وتحمّل المسؤوليّة”.
وأشار حصروتي الى أنّنا “علينا أن نبني لبنان المنهار، بحسب أسس جديدة، هي الحقيقة والعدالة، والتعرّف على سرديات الجميع، وتقديس آلام الجميع، وبناء أسس العيش معاً والتطلّع سويّاً لوطن منيع مزدهر. قضية ٤ آب هي قضية وطن، قضيّة كل لبناني وكل إنسان.”
ولفت حصروتي الى أنّنا “ارتأينا كمجموعة “مبادرة ٤ آب” أنّ المدارس والجامعات هي أفضل قاعدة لإطلاق هذه الديناميكيّة وهذه المبادرة لكونها مبادرة وعي أوّلًا. فكان لقاء جامع مع الأكاديميين والجامعيّين في جامعة العائلة المقدّسة بالبترون، وفتح لنا المدخل إلى المدارس الكاثوليكيّة، فكان تخصيص يوم ٦ أيار، عيد الشهداء في لبنان، يوم تضامن مع الضحايا والشهداء والجرحى والمتضررين في جريمة تفجير المرفأ، وصرخةَ لأجل الحقيقة والعدالة”.
وشدد حصروتي على أننا” مستمرون ومنتظرون أن نسمع اقتراحاتكم، وتمدّوا لنا أيديكم كي نبادر معاً، ونضع حدّاً للخنوع والخوف واللامبالاة، ولكل التراكم الثقافي والنفسي الذي فجّرنا”.
وختم حصروتي قائلاً إنّ “يوم 4 آب سنة 2020، هو يوم الحقيقة الصارخة التي تنادي ضمير كلّ واحد مِنّا. نريد أن نعرف حقيقة ما حصل وأسبابه واكتشاف المسؤول عن هذه الجريمة ومحاسبته. كما علينا أن ننتبه جيّداً، فنحن يمكن أن نكون كلّنا شركاء بالجريمة أو بالخلاص، ونأخد موقفاً مسؤولاً واحداً يحمي إنسانيّتنا.”
وفي حوار عن أبعاد ٤ آب بالشقّين القانوني والنفسي، شدد رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي الدكتور غالب غانم على أنّ “منتهى الطمأنينة والأمان هو أن يحيا الناس في حمى القانون وان يستظلّوا خيامه”، متسائلاً: “هل القانون شاهد أم شهيد؟”
وأشار غانم الى أنّ “أوهام الأقوياء في وطننا تكمن في أنّ القاعدة القانونية لن تقوّض قلاعهم، ولن تطأ مرابط خيلهم”.
ورأى غانم أنّه “كلّما عظمت المأساة، أو تفاقمت الأضرار، أو تضاعفت الجراح إيلاماً، كلما بات ملحّاً ألا يتراخى أوان التصدّي والمعالجة”، معتبراً أنه “إذا كانت السياسة حتى الآن، لا ترغب في حماية القضاء، فعلى المجتمع أن يحميه، وذلك جنباً الى جنب مع مسؤولية تعزيز ثقافة دولة القانون وحكم القانون”.
ولفت غانم الى أنّ “تخلّي المجتمع عن معاضدة القضاة الصالحين في هذا المعترك، لا يُحبطهم فحسب، بل يسيء الى المجتمع نفسه”، معتبراً أنّ “أي قاعدة قانونية ملتبسة- بمقدار غير مألوف- تكون وبالاً، لا على القاعدة ذاتها فحسب بل على العدالة أيضاً”.
من ناحيتها، اعتبرت المستشارة في قسم الأبحاث الطبية النفسية في جامعة ستانفورد الدكتورة سهاد الشبير أنّ “التركيز ضروري على تعامل المدارس مع الطلاب”، وشرحت بطريقة علميّة أجزاء الدماغ والأسباب التي تعزّز من الصدمات النفسية لدى الإنسان.
وأكدت الشبير أنّ “الأدوية قد تساعد وتخفف من الاضطرابات، لكن علينا مواجهة ما حصل معنا، سرد الحوادث وحتى زيارة المكان الذي اندلعت فيه الواقعة”.
ولفتت الشبير الى أنّ للصدمات النفسية عوارض كثيرة ويجب على المدارس التنبّه الى هذه العوارض جنباً الى جنب مع الأهل. ومن أهم هذه العوارض: الكوابيس، الخوف الشديد، الغضب، صعوبة الانتباه والتركيز، الافتقار الى الأمان والثقة، تجنّب الذكريات المؤلمة، السلوك الدفاعي والاندفاع، التأقلم غير الصحي كاللجوء الى المخدّرات مثلاً”.
وأشارت الشبير الى أنه “يجب دعم الشخص الذي يعاني من صدمات نفسيّة وحثّه على التعبير عمّا يخالجه والتحدّث عن كلّ ما يُقلقه”، لافتة الى أنّ ” الصدامات النفسية الجماعية تتكوّن بشكل أفقي، أي حدث واحد يؤثّر على مجتمع بأكمله”. وأضافت أنّ “الحل يكمن بتنمية المرونة والتفكير الإيجابي وعدم السماح بنقل الصدمات النفسية من جيل الى آخر”.
وأدار الحوار الكاهن اليسوعي الأب فادي الشدياق.
وفي نهاية المؤتمر، تلت الدكتورة في علم التربية وديعة الخوري توصيات المؤتمر. ونصّ أبرزها على:
– من الناحية الفسيّة، الاعتراف الشامل في كافة الميادين والمؤسسات في لبنان بحقيقة أن الشعب اللبناني يعاني ويتصرّف بحسب تبعات الصدمات التي عاشها، من لا استقرار أمني واقتصادي وحروب وتفجيرات كان أفظعها انفجار 4 آب.
– أولويّة التعاطي مع حقيقة معاناة اللبنانيين من تبعات الصدمات بدءاً من المدارس والدور التربوية.
– تدريب المربّين بمن فيهم الأهل، للتعامل مع تبعات الصدمات في حياتهم وحياة اولادهم وطلّابهم.
– إدخال عناصر معالجة آثار الصدمات ضمن البرامج المدرسية والتربوية بكلّ جديّة، وتخصيص الوقت لمرافقة الطلاب نفسياً وروحياً.
– أما من الناحية القانونية والقضائية: حاجة القضاء اللبناني للتعاضد المجتمعي معه من أجل مقاومة محاولات تقويضه، فثمّة قضاةٌ في لبنان لا يزالون يواجهون، ويقرأون في كتاب القانون لا في سواه، ويستوحون العدل والإنصاف، ويردّون الغزوات على أرضِ القضاء.
– إن ترسيخ ثقافة القانون وإدراك كيفية حماية القضاء النزيه تبدأ من المدارس والدور التربوية، عن طريق تنشئة المربين والمتعلمين ليكونوا هم أنفسهم رجال ونساء قانون. على المدارس بالتالي تدريب الطلاب على كل ما يحتاجه الواقع اللبناني من ثقافة القانون، بدءاً من فهم النصوص الى اقتراح وصياغة قوانين تخدم العدالة الشاملة بشكل أفضل، الى الحرص دون أية مواربة على الالتزام بالقوانين وأبعد من كل ذلك، الى التدرب على الفضائل التي هي في أساس صحة دولة القانون.
وفي الختام تم توزيع الدروع التكريمية.
يشار الى أنّ المدارس الكاثوليكية كانت قد أقامت يوم ٥ أيار وقفة تضامنيّة مع مبادرة ٤ آب، كما شارك الطلاب والهيئة التعليمية في نشاطات وتدريبات تُعنى بكيفيّة تعزيز القانون، خصوصاً أنّ قضية ٤ آب ليست فئوية، بل هي قضيّة كل الوطن.