ميشال المر صانع الرؤساء
خاص الموقع ” خليل مرداس
شخصيتنا لهذا اليوم هي لرجل شكل صمام الأمان في لبنان لفترة طويلة من الزمن لاسيما في المتن ،رجل سياسي مخضرم و لعب دوراً هاماً على الساحة السياسية في لبنان ، منذ أشهر قليله خاض معركة في وجه كُل الأحزاب التي لها نفوذ في المتن الشمالي و تمكن من الفوز بالصوت التفضيلي ، ليثبت أنّه رجل كل زمان و مكان ، فهو
مرّ باسمه وبحزمه، وحلو مع سكر زيادة في شخصيته.
هكذا هو وزير الداخلية والبلديات” ميشال المّر “. يجمع التناقضات ويدمج الأضداد في مهارة قلّ نظيرها. فهو رجل يشعرك بالخطر وتنبع خطورته من دهائه وتمرسه في السياسة طوال خمسة وثلاثين عاما”، ومن خبرته الطويلة في شؤون البلاد والعباد التي تجعله يتخلص من المواقف الحرجة.
وكان يقول دائما” أن حفظ الأمن يرتب على وزير الداخلية إبراز صرامته على الشاشة، فيظهر للناس وجهه القاسي والمخيف كطريقة فضلة لتخفيف المشاغبات عن كاهل رجال الشرطة، فيرتدع المجرمون عن مخططاتهم. و يعترف أن هذا الوجه هو من أكثر سيئات حياته السياسيه .
ولد “ميشال المّر” في بتغرين في 29 أيلول عام 1932، والده” الياس المّر “متعهّد للأشغال العامة، والدته” روز صليبا”. لديه شقيق واحد هو غبريال المّر وأربع شقيقات .
تعلم” ميشال المر” في مدرسة الأباء اليسوعيين ، ومنها انتقل الى جامعة القديس يوسف حيث تخرج في العام 1955 وهو يحمل شهادة الهندسة المدنية.
في العام 1958، تزوج” ميشال المّر” من “سيلفي ابوجودة ” و كانوا قد تعرفوا على بعض أثناء الدراسة، كان هو في السنة الرابعة اختصاص ” هندسة مدنية ” وهي في السنة الأولى اختصاص ” حقوق” ،و بعد قصة غرام دامت زهاء عامين تزوجا وانجبا ثلاثة أولاد هم: الياس ، ميرنا ولانا.
انتقال الوزير المّر من عالم الهندسة الى السياسة جاء بمبادرة منه وحده ومن دون تشجيع من أحد. كان “غبريال المّر” ابن عمّ والده نائباً و وزيراً، ولم يكن لديه أولاد، فتوطدت علاقته “بالمّر” لكن خلافا” عائليا” نشب ودفع المّر الى الترشح ضد غبريال عام 1960 وهو لا يتجاوز ال27 عاما”. فنال 15 ألف صوت ونال غبريال 2000 صوت، وحصل “البير مخيبر” على 15200 صوت فنجح, وسقط المّر.” منذ ذلك الوقت دخل ميشال المر الى السياسية ولم يستطع الهروب منها لأنه أحب السياسة ولعبتها .”
بعد سقوطه في الانتخابات، وجد المّر نفسه من دون أي رأسمال مادي وليس له سوى شهادة الهندسة، فسافر الى افريقيا حيث بدأ العمل في شركة، “كان يتقاضى راتبا” مقداره 3000 دولار، ولكي يزيد من راتبه عمل سائق تراكتور وجرافة يشقّ الطرقات في الصحراء ليلا”، اذ علم أنَّ السائق يجني أكثر من المهندس، هكذا بلغ راتبه 9000 دولار شهريا”، واظب على هذا المنوال 3 أعوام متواصلة حتى جنى ثروة وصار غنيا”. فأسس شركة والتزم أشغالا” في افريقيا، وانتشرت مشاريعه في ليبيا، الجزائر، نيجيريا، شاطىء العاج، الغابون، زائير، وبعض الدول العربية. وكان يعود إلى لبنان من وقت الى آخر، وصارت أعماله تزدهر حتى بات لديه 4000 موظف وزهاء 17 شركة، تم تقليصها منذ عام 1990 حتى صارت 7 وعدد قليل من الموظفين بسبب انهماكه في العمل السياسي.
دخل ميشال المّر المجلس النيابي للمرة الاولى في العام 1968. لم تمضي سوى أشهر قليله على وقوفه تحت قبعة البرلمان وحصوله على لقب معالي الوزير حتى برز إسم المّر بقوة على الساحة السياسية.
حيثُ عُين وزيراً للبريد والبرق والهاتف في حكومة الرئيس الراحل “رشيد كرامي” عام 1969 ، و وزيراً للبريد والاسكان عام 1977 في الحكومة الرئيس “سليم الحص” ، و وزيراً للبريد في حكومة الرئيس الراحل “شفيق الوزان” عام 1980 من اللافت أنَّ “المّر” بقي خارج اللجنة الحكومية في عهد الرئيس “سليمان فرنجية “بسبب تصويته للمرشح المنافس “الياس سركيس ”
في عهد الرئيس امين الجميل نجح “المّر” في المناصب الوزارية التي تسلمها قبل اتفاق” الطائف “في تحقيق إنجازات بارزة خصوصاً على صعيد الهاتف ، إذا كان “المّر” ابتعد عن المناصب الوزارية معظم سنوات الثمانينات فهو لعب بتلك الفترة دوراً سياسياً بارزاً، هندس الكثير من اللقاءات ومشاريع الاتفاقات والتحالفات، أهمها لقاء “إهدن ” الشهير عام 1985 بين الرئيس” فرنجية والقوات اللبنانية”. وكان مؤيدا” للإتفاق الثلاثي كمدخل لإنهاء الحرب اللبنانية.
وبعد ذلك تعرض للكثير من المضايقات مثل تفجير قصره في بتغرين واشياء كثيرة.
يرفض الوزير المّر القول أنّهُ رجل معظم العهود ويتكيّف مع مختلف السياسات،و يرى أنَّ “الياس سركيس” تفوق خبرته جميع الرؤساء اللبنانيين لأنّه عمل مديراً عاماً لرئاسة الجمهورية طيلة عهد “فؤاد شهاب” قبل تسلمه الحكم،
ويصفه برجل القيّم والأخلاق الذي لطالما اهتم بالحفاظ على سلامة النقد.
ندم الوزير “المّر ” على أمور كثيرة في حياته السياسية :
في السياسة لا يجب أن يكون الشخص صادقا ًكلياً بل عليه أن يكذب 50% ويصدق 50 % فكان يردد : أنا ندمت لانني كنت رجلاً صادقاً ،
ويعتبر أنه دفع غاليا” ثمن وفائه واندفاعه واخلاصه لا سيما بعد محاولة اغتياله عام 1991 ” فكان يرى وجوب إعادة بناء البلد وحّل الميليشيات ، لكن لم يجدر به أن يقف في وجهها دائماً ويتلقى كل الضربات، ندمت على ذلك رغم انني في الواجهة حتى اليوم، ومن يفعل ذلك يدفع الثمن غالياً .
بعد محاولة اغتياله في انطلياس وفقدانه نصف سمعه ، فقد المّر الشعور بالخوف ،و” لم يعد الموت يعني له شيئاً لأنه عرف أن قدره لم يأت بعد، ولم يعد يخاف شيئاً صار مسلمها ربانية” يذهب إلى أي مكان . يلفت نظرك في مكتب الوزير المّر مكتبة ضخمة، منوعة ومكتملة تضم كتب هندسية وحقوقية، كون الوزير المّر درس الاختصاصين وهو متابع دائم في كل تطور في عالم الهندسة، وقضايا القانون الدستوري.
و أخيرا” استعان مجلس النواب اللبناني بمكتبته كونه الوحيد الذي يملك محاضر مجلس النواب منذ العام 1926. والوزير المّر الذي يعمل 18 ساعة متواصلة يجد دائماً وقتاً للقراءة وهو مغرم بسيرة الرجال العظام الذين طبعوا التاريخ، وهو يكره خط هتلر الجنوني في السياسة، كما يقرأ القضايا الاجتماعية لكي يستطيع حلّ مشاكل الناس وتقديم المشورة لهم حين يراجعوه في مسائل حياتية وعائلية. يتوخى الحذر الدائم في إيجاباته وهو صريح جداً في إبداء رأيه في أشخاص سياسيين عاصرهم وعمل معهم ولكنه يرفض نشر أرائه حرصاً على عدم جرح مشاعر هؤلاء الاشخاص.
محبوب من الجميع
لقب بعدة ألقاب و لكن اللقب الأحب إلى قلبه سيد الشاشات وصاحب المبادرات والدرع الذي يرد سهام منتقدي الرئيسين” الياس الهراوي واميل لحود” . يجدر الإشارة ٱلى أن دولة الرئيس أصبح صاحب أهم قاعدة خدماتية على كامل الأراضي الجمهورية اللبنانية، يقصده عشرات النواب والشخصيات للحصول على خدمات لمناطقهم، ويقصده أبناء المتن يومياً ليلبي حاجاتهم. حقق ميشال المّر ما يطمح لتحقيقه كل رجل سياسي، وما لم تتمكن من تحقيقه أي شخصية أورتودوكسية أخرى، ولعله من أكثر الاشخاص الذين ظلمتهم التركيبة الطائفية للسلطة اللبنانية. لم يرث ميشال المّر السياسة والمال، بل كان عصامياً في السياسة والعامل الخاص وأثبت أنّ الطموح قادر على تحقيق المعجزات